التوتر وتأثيره على الجهاز الهضمي: كيف نكسر هذه الحلقة؟
كثيرًا ما نسمع جملًا مثل: “أشعر أن معدتي مقلوبة من التوتر”، أو “بطني يتألم كلما توترت”… هذه ليست مجرد تعبيرات عاطفية، بل انعكاس لحقيقة طبية مثبتة: التوتر النفسي يؤثر فعليًا على الجهاز الهضمي. ومع مرضى الأمعاء الالتهابية مثل كرون والتهاب القولون التقرحي، يصبح هذا التأثير أكثر حدة وتعقيدًا. في هذا المقال، سنشرح العلاقة الوثيقة بين التوتر والهضم، ونتعلم كيف نكسر هذه الحلقة المفرغة، من خلال فهم علمي ونصائح عملية.
1. كيف يؤثر التوتر على الجهاز الهضمي؟
التوتر يُفعّل الجهاز العصبي السمبثاوي (وهو المسؤول عن “الهروب أو القتال”)، ما يؤدي إلى:
- تباطؤ أو تسارع حركة الأمعاء، مما يُسبب إسهالًا أو إمساكًا.
- زيادة إفراز الأحماض في المعدة، ما يؤدي إلى حرقة أو غثيان.
- انقباض عضلات القولون، مسببًا آلامًا وتقلّصات.
- اختلال التوازن البكتيري في الأمعاء (الميكروبيوم)، مما يؤثر على المناعة والهضم.
- زيادة احتمالية تهيّج الأعراض عند مرضى IBD.
الجهاز الهضمي يُلقّب أحيانًا بـ “الدماغ الثاني”، نظرًا لكمية الأعصاب التي يحتويها ومدى تأثره بالحالة النفسية.
لماذا يُعد مرضى كرون والقولون التقرحي أكثر حساسية للتوتر؟
- طبيعة المرض الالتهابية تجعل الجسم في حالة استجابة مناعية نشطة.
- وجود أعراض مفاجئة (مثل الحاجة الطارئة للحمام) يُسبب ضغطًا نفسيًا.
- التعامل اليومي مع الألم، الأدوية، والزيارات الطبية المتكررة يزيد من الإرهاق.
- القلق بشأن المستقبل أو العمل أو العلاقات يُضاعف العبء.
النتائج؟
- بعض المرضى يدخلون في حلقة مفرغة: التوتر يُسبب أعراضًا… والأعراض تُسبب توترًا.
3. كيف نكسر هذه الحلقة؟
أ. الوعي بالمشكلة أول خطوة
- اعرف أن توترك ليس مجرد شعور نفسي، بل له أثر عضوي حقيقي.
- اقبل أن رعاية صحتك النفسية جزء أساسي من خطة العلاج.
ب. جرّب تقنيات الاسترخاء
- تمارين التنفس العميق: استنشق ببطء 4 ثوان، احبس النفس 4 ثوان، ازفر ببطء 6 ثوان.
- التأمل الذهني (Mindfulness): خصص 5–10 دقائق يوميًا للجلوس بصمت والتركيز على التنفس.
- اليوغا أو التمدد: تُساعد على إرخاء العضلات وتهدئة الأعصاب.
ج. الرياضة المنتظمة
- المشي، السباحة، أو حتى الرقص اللطيف يساعد على إفراز الإندورفين (هرمون السعادة).
- الرياضة تُنظّم النوم وتقلل من التوتر الجسدي والعاطفي.
د. التنظيم اليومي
- روتين يومي واضح يُخفف من الإرباك والتشتت.
- قسّم المهام، ولا تُحمل نفسك فوق طاقتها.
- اترك لنفسك وقتًا للراحة، دون شعور بالذنب.
هـ. اطلب المساعدة عند الحاجة
- لا تتردد في استشارة مختص نفسي.
- مجموعات الدعم قد تُشعرك بأنك لست وحدك.
4. التغذية والتوتر: علاقة خفية
- التوتر قد يدفع البعض لتناول أطعمة غير مناسبة (دهنية، حارة، غنية بالكافيين)، ما يزيد الأعراض سوءًا.
- في المقابل، بعض الأطعمة تساعد على تهدئة الجهاز الهضمي، مثل:
- الزبادي الطبيعي
- الشوفان
- البابونج والنعناع
- الموز
- الأطعمة الغنية بالمغنيسيوم (كالسبانخ واللوز)
5. النوم… حجر أساس في التحكم بالتوتر
- اضطرابات النوم تزيد من التوتر وتضعف الجهاز المناعي.
- حاول أن تخلق طقسًا مسائيًا يساعد على النوم:
- التوقف عن استخدام الهاتف قبل النوم بساعة.
- الاستحمام بماء دافئ.
- قراءة هادئة أو أذكار مسائية.
6. مواقف يومية: كيف تتعامل معها بهدوء؟
في العمل:
- ناقش حالتك الصحية مع الإدارة إذا لزم الأمر.
- احتفظ بخطة “طوارئ” للحمام أو الراحة.
في الأماكن العامة:
- اعرف موقع الحمامات قبل الخروج.
- احتفظ بمستلزمات الطوارئ في حقيبتك.
مع العائلة:
- لا تخف من طلب الدعم أو شرح حاجتك للراحة.
- خصص وقتًا للعائلة، لكن لا تتجاوز حدود طاقتك.
7. متى يكون التوتر بحاجة لتدخل متخصص؟
- إذا أصبح التوتر يُعيق نومك أو طعامك أو علاقاتك.
- إذا شعرت بانفصال عن الواقع أو كثرة التفكير السلبي.
- عند ظهور أعراض جسدية غير مبررة (ألم، دوخة، خفقان مستمر).
خاتمة
أنت لست مسؤولًا عن المرض، لكنك مسؤول عن العناية بنفسك. التوتر جزء من الحياة، لكنه لا يجب أن يكون هو القائد. ابدأ بخطوة بسيطة اليوم: تنفس بعمق، وخذ لحظة لراحة بالك. صحتك النفسية ليست رفاهية… بل علاج حقيقي لجسدك.