الصحة الجنسية عند مرضى كرون والتهاب القولون التقرحي

الصحة الجنسية جزء مهم من الصحة العامة، لكن الحديث عنها غالبًا ما يكون محاطًا بالصمت، خاصة في مجتمعاتنا. وعندما يُضاف إلى ذلك تحدّي الإصابة بمرض مزمن كـ مرض كرون أو التهاب القولون التقرحي، قد يشعر المصاب بمزيد من الحرج، والقلق، وربما العزلة. لكن الحقيقة أن هذه الأمراض قد تؤثر على بعض الجوانب المرتبطة بالحياة الزوجية والعلاقة الحميمة، سواء جسديًا أو نفسيًا، ومن حق المريض أن يفهم ذلك بلغة محترمة، واضحة، وعلمية تراعي خصوصيتنا الثقافية. في هذا المقال، نقدم لك شرحًا مبسّطًا حول ما يمكن أن يتأثر في الجانب الجنسي عند مرضى التهاب الأمعاء، مع نصائح للتعامل، وتأكيد على أن الزواج والعلاقة الحميمة الصحية ممكنة ومشروعة تمامًا رغم المرض.

أولًا: كيف يؤثر مرض كرون أو القولون التقرحي على الصحة الجنسية؟

1. التأثير الجسدي

  • الإرهاق المستمر ونقص الطاقة، خاصة في فترات نشاط المرض، قد يقللان من الرغبة والقدرة على التفاعل الطبيعي.
  • بعض الأدوية مثل الكورتيزون أو مثبطات المناعة قد تؤثر على الهرمونات، أو تسبب تغيرات في المزاج، تؤثر بدورها على الرغبة الجنسية.
  • العمليات الجراحية في منطقة الحوض أو المستقيم، مثل الجراحات التي ينتج عنها فغر (فتحة إخراج صناعية)، قد تؤثر على الشعور بالراحة أو على الأداء الجسدي أثناء العلاقة.
  • الألم أو الانتفاخات قد تجعل المريض يشعر بعدم الارتياح في بعض الأوضاع أو التوقيتات.

2. التأثير النفسي

  • قد يشعر المريض بالخجل، أو يفقد جزءًا من ثقته بنفسه، خاصة إن كان المرض حديثًا أو في حال وجود أعراض ظاهرة.
  • أحيانًا ينشأ الخوف من عدم القبول من الطرف الآخر، أو الحرج من الحديث عن الأمور الصحية الخاصة.

ثانيًا: الزواج والعلاقة الحميمة… هل تتعارض مع المرض؟

الإجابة الواضحة: لا، أبدًا.

  • كثير من مرضى كرون والتهاب القولون يعيشون حياة زوجية طبيعية، ناجحة، ومليئة بالمودة والاستقرار.
  • يمكن للزوجين التكيّف مع بعض الأعراض، والتعاون في أوقات الانتكاسة، دون أن تتأثر العلاقة بشكل دائم.
  • التخطيط، الصراحة، والاحترام المتبادل هي الأسس الذهبية لأي علاقة ناجحة، مهما كانت الظروف الصحية.

ثالثًا: متى أُخبر شريك حياتي عن حالتي الصحية؟

  • الأفضل أن يُناقش هذا الموضوع في مرحلة الخطبة أو ما قبل الزواج، عندما يشعر الشخص بالثقة والارتياح تجاه الطرف الآخر.
  • لا داعي لذكر كل التفاصيل الطبية الدقيقة، بل يكفي التوضيح العام بأن “لديّ حالة صحية مزمنة تؤثر على الجهاز الهضمي، وهي تحت السيطرة بالعلاج والمتابعة”.
  • الصراحة هنا ليست ضعفًا، بل دليل نضج ومسؤولية.

رابعًا: ماذا لو شعرت بأن المرض يؤثر على العلاقة الحميمة بعد الزواج؟

نصائح مهمة:

  1. اختيار الوقت المناسب: بعد فترة الراحة، أو حين تكون الأعراض أقل نشاطًا.
  2. التواصل الهادئ مع الطرف الآخر: يمكن إبلاغ الشريك بلغة مهذبة أن هناك بعض الأوقات التي تحتاج فيها للراحة أو الدعم.
  3. عدم التردد في مراجعة الطبيب عند الشعور بأي مشكلة جسدية مستمرة (مثل الألم، الجفاف، أو انخفاض الرغبة).
  4. التعاون في تهيئة الجو المناسب نفسيًا وبدنيًا، وتجنب الضغوط.

خامسًا: ماذا عن الخصوبة والحمل؟

  • معظم مرضى كرون والتهاب القولون التقرحي يتمتعون بخصوبة طبيعية، ويمكنهم الإنجاب بإذن الله.
  • يجب التخطيط للحمل بالتعاون مع الطبيب المعالج، لضبط الأدوية وتجنّب الأدوية غير الآمنة أثناء الحمل أو الرضاعة.
  • بعض العمليات الجراحية قد تؤثر مؤقتًا على الخصوبة، خاصة عند النساء، لذلك ينصح بإجراء استشارة مبكرة عند التفكير في الحمل.

سادسًا: العلاقة الحميمة بعد الجراحة أو الفغر

بعض المرضى يضطرون إلى إجراء جراحة تُحدث فتحة إخراج صناعية (فغر)، وهذا قد يؤثر على نظرتهم لأنفسهم.

لكن إليك هذه الحقائق:

  • الفغر لا يمنع من الزواج أو العلاقة الحميمة.
  • هناك وسائل خاصة لتغطية الفتحة بأمان وخصوصية أثناء العلاقة.
  • التفاهم مع الطرف الآخر، والتدرّج في العلاقة، يُعيدان الشعور بالراحة والثقة.
  • من المفيد أحيانًا الحديث مع أخصائي نفسي أو دعم نفسي متخصص للمساعدة على تقبّل هذا التغير الجسدي.

سابعًا: متى أحتاج إلى استشارة متخصصة؟

  • إن استمرّ انخفاض الرغبة الجنسية لفترات طويلة.
  • في حال وجود ألم أو صعوبة جسدية أثناء العلاقة.
  • عند التأثير الكبير للحالة النفسية على العلاقة الزوجية.
  • يمكن مراجعة طبيب مختص في الصحة الجنسية، أو طبيب الجهاز الهضمي بالتعاون مع أخصائي نفسي.

ثامنًا: رسائل طمأنينة للمرضى وشركائهم

  • الحياة الزوجية لا تعتمد على الكمال، بل على التفهّم والرحمة.
  • المرض ليس عيبًا، ولا ينتقص من إنسانيتك أو كرامتك.
  • كل ما تحتاجه هو تفهّم الطرف الآخر، واستعدادكما للتعاون والمحبة.
  • التحديات في العلاقة قد تكون موجودة عند الجميع، حتى غير المرضى… الفرق أنكم تتعاملون معها بوعي أكبر.

خاتمة

الصحة الجنسية عند مرضى كرون أو القولون التقرحي موضوع يستحق الحديث عنه بكل احترام وخصوصية. ليس الهدف من الحديث هو الجرأة أو التفصيل غير اللائق، بل تقديم دعم نفسي وعلمي للمرضى وشركائهم حتى لا يشعروا بالوحدة، أو بالخجل، أو بالحرمان. عندما تُبنى العلاقة الزوجية على الصدق، وتُدار التحديات بحكمة، فإن المرض لا يكون عائقًا… بل بابًا للتقارب الحقيقي.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *