العلاقات والدعم العاطفي مع مرض كرون أو القولون التقرحي

المرض المزمن لا يصيب الجسد فقط… بل يزاحم المريض أيضًا في علاقاته، تواصله، إحساسه بنفسه، وقدرته على الحُب والاحتواء. قد تشعر أحيانًا بأنك “عبء” أو أن أحدًا لن يفهم ما تمر به. وقد تخشى أن تصارح شريك حياتك، أو تظن أن المرض سيقف في وجه الارتباط أو الإنجاب. لكن الحقيقة؟ العلاقات ليست عكس المرض… بل قد تكون أهم دواء له. بشرط أن تُبنى على فهم حقيقي، صراحة، وحدود واضحة تحفظ كرامتك. في هذا المقال، سنرسم ملامح العلاقة الصحية التي يمكن أن تعيشها حتى مع وجود مرض مزمن، ونمنحك أدوات للتواصل، الدعم، والحماية النفسية.

أولًا: ماذا يغيّر المرض المزمن في علاقاتنا؟

1. اختلاف التوقعات

  • قد لا تستطيع الخروج كثيرًا، أو الأكل في الخارج، أو السفر بسهولة.
  • قد تمرّ بأيام لا تملك فيها طاقة للكلام، أو حتى للمجاملة.

2. الإحساس بالعبء

  • بعض المرضى يشعرون بالذنب تجاه شركائهم أو أصدقائهم:
    “أنا أرهقه معي”… “لن يتحمّلني أحد”… “لا أريد أن أكون مشكلة إضافية في حياة أحدهم.”

3. تغير في صورة الذات

  • تغير الوزن، العمليات، آثار الأدوية… كل هذا قد يؤثر على ثقتك بنفسك، وخاصة في العلاقات العاطفية.

ثانيًا: هل من حقي أن أُحب ويُحبني أحد رغم المرض؟

نعم. وبكل تأكيد أنت لست مرضك أنت إنسان له مشاعر، روح، رغبة في المشاركة، والأهم قيمة عالية رغم التحديات. المرض قد يفرض بعض الحواجز، لكن لا يمنعك من:

  • الزواج.
  • الإنجاب.
  • بناء علاقة مستقرة.
  • الاستمتاع بالعلاقة الحميمة.
  • التقدير، والاحترام، والقبول.

ثالثًا: كيف أُخبر شريكي أو الشخص الذي أرتبط به؟

الصراحة ضرورية… لكنها ليست واجبًا فوريًا اختر التوقيت الذي تشعر فيه بالأمان، والارتياح، والثقة.

✨ خطوات للحديث:

  1. اختر مكانًا هادئًا، وأوقاتًا لا تكون فيها تحت ضغط نفسي.
  2. عبّر ببساطة:
    “أود أن أشاركك شيئًا مهمًا بالنسبة لي. لدي حالة صحية مزمنة أتعامل معها منذ فترة…”
  3. لا تتحدث بأسلوب مأساوي أو درامي، ولا بنبرة خجل.
  4. اشرح فقط ما يخص تأثير المرض على نمط حياتك.
  5. دع مجالًا للأسئلة، لكن لا تُجب على ما لا ترغب في الحديث عنه.

💬 تذكّر: من يحبك حقًا، سيستمع أولًا بقلبه، لا بتفاصيل تقاريرك الطبية.

رابعًا: هل سيتقبّلونني؟ وهل من حقي أن أضع حدودًا؟

ليس كل من نحبهم سيتفهمون المرض… وهذه حقيقة مؤلمة أحيانًا لكنها لا تُنقص من قيمتك شيئًا.

✋ متى تكون العلاقة غير صحية؟

  • إن كان الطرف الآخر يشكك في ألمك أو يتهمك بالمبالغة.
  • إن كان يجعلك تشعر بالذنب الدائم بسبب أعراضك أو تعبك.
  • إن كانت العلاقة تُشعرك بأنك أقل، غير كافٍ، غير جذاب.

في هذه الحالة، قل لنفسك:

“من يرفض مرضي، يرفضني ضمنًا. وأنا أستحق علاقة تُشبهني، لا تُحرجني.”

خامسًا: الدعم العاطفي… كيف تطلبه؟ ومن أين يأتي؟

🧡 من الشريك:

  • أخبره بما تحتاج تحديدًا:
    “أحتاج أن تستمع لي، لا أن تحلّ المشكلة.”
    “وجودك بجانبي يكفيني، لا أحتاج نصائح الآن.”
  • لا تفترض أنه يعرف ما تشعر به، حتى لو كنتم مقربين.

👪 من العائلة:

  • بعض الأهل لا يفهمون المرض جيدًا…
    علّمهم. أرسل لهم مقالًا، أو اشركهم في موعد مع الطبيب.

👥 من الأصدقاء:

  • شارك فقط مع من تشعر معه بالأمان.
  • لا تخجل من قول:
    “أنا لست في مزاج جيد للخروج اليوم، جسدي مرهق.”

سادسًا: العلاقات الحميمة… هل المرض يمنعها؟

أبدًا، لكنه يُغيّرها أحيانًا.

  • بعض المرضى يخجلون من الجراحات (مثل فتحة الإخراج)، أو من أعراض مثل الانتفاخ.
  • الألم أو التعب قد يؤثر على الرغبة أو الأداء.

نصائح مهمة:

  • ناقش بصراحة ما يُريحك وما لا يُريحك.
  • اختر التوقيت المناسب (بعد الراحة، وليس خلال التعب).
  • استعن بطبيب مختص أو معالج نفسي/جنسي في حال شعرت بعدم ارتياح دائم.

سابعًا: وماذا عن الصداقة؟ أو الزمالة؟ أو الأبوة والأمومة؟

👯‍♀️ الصداقة:

  • لا تقيس صداقاتك بعدد اللقاءات، بل بعمق التفهم.
  • أصدقاءك الحقيقيون سيتأقلمون مع طبيعة أيامك.

👶 الأبوة والأمومة:

  • نعم، يمكنك الإنجاب، وتربية طفل، والاستمتاع بالأمومة أو الأبوة.
  • استشر طبيبك بشأن الحمل، الرضاعة، الأدوية… واطلب الدعم.

🏢 الزملاء والعمل:

  • ليس واجبًا أن تُشارك الجميع بحالتك، لكن من المفيد أن يعلم أحد موثوق بظروفك، خاصة في حالة الطوارئ.

نصائح سريعة لعلاقات أكثر راحة وإنسانية

  1. لا تخجل من مشاركة حدودك.
  2. لا تعتذر عن أعراض لا تتحكم بها.
  3. لا تُبالغ في الشرح… فقط ما يخص علاقتكما.
  4. لا تتحمّل نظرة “شفقة”.
  5. لا تضغط على نفسك لتكون “شريكًا مثاليًا”.
  6. لا تُقارن علاقتك بعلاقات الآخرين—ظروفك مختلفة.
  7. لا تنسَ أنك تستحق علاقة فيها دعم، لا تحمّل زائد.

كلمة ختامية

نحن لا نُخلق كاملين ولسنا مضطرين لارتداء أقنعة “الصحة المطلقة” لنستحق الحب في عالم يتغافل أحيانًا عن الألم الداخلي، تذكّر أن أعمق أنواع الحب هي التي تُشبه صوت الطمأنينة، لا صوت التصفيق. كن صادقًا مع نفسك، ومع من تحب. والعلاقة التي تنمو من هذا الصدق… تستحق أن تُبنى، حتى في ظل المرض.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *